نص كلمة السيد الحكيم في الذكرى الثالثة عشر لرحيل عزيز العراق (قده) 8/4/2022
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمـد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
في رحاب شهر رمضان المبارك .. شهر الطاعة والرحمة والرضوان.
وفي وقع أجواء وذكرى سقوط الدكتاتورية.
و ذكرى إستشهاد الامام الشهيد الصدر (قده).
نستذكر شخصية فذه وعلماً شامخاً ومدافعاً حقاً عن العقيدة والوطن سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الحكيم (قده) الذي فارقنا في مثل هذه الايام وترك فراغاً كبيراً في الساحة السياسية والاجتماعية والوطنية.
كان عزيز العراق قائداً مميزاً .. حَمل سمات إستثنائية في ظرف حساس وعصيب من تاريخ العراق الحديث وكان جديراً بحمل الأمانة وتحمل المسؤولية عقب إستشهاد شهيد المحراب الخالد (قده)
تميز بالإخلاص والتفاني والعطاء وبذل الغالي والنفيس من إجل (العقيدة والوطن والشعب الصابر)
عاصر مرجعية والده زعيم الطائفة الامام السيد محسن الحكيم (قده) وتتلمذ على كبار أساتذة الحوزة العلمية في النجف الاشرف وتأثر بشخصية أساتذهِ الامام الشهيد الصدر (قده) بشكل إستثنائي.
كان عراقياً بإمتياز في جميع الادوار التي مارسها في مراحل مواجهة الدكتاتورية .. ومعارضته للإستبداد والطغيان ..
وفي قيادته لكتلة الاغلبية البرلمانية ومشاركته الفاعلة في مراحل تأسيس النظام السياسي الجديد بعد انهيار الديكتاتورية.
كان منتمياً الى مدرسة آهل البيت (ع) سلوكاً ومنهجاً واخلاقاً ومواقفَ ، ومضى على نهج اجداده الطاهرين.
وكان مرجعياً حد النخاع وهو يرسخ مقولته التي كان يرددها دائماً "المرجعية دين ندين لله به"
كان واثقاً صلباً في اتخاذ القرارات المصيرية .. وحكيماً في التعاطي مع الملفات الشائكة .. ومنصفاً في حواره ومفاوضاته مع الاخرين.
كان ثابتاً في القضايا التي تَمسُ الحقوق ومرناً في القضايا التي تمس النفوس والمشاعر ، ومعتدلاً في المواقف التي تخص المصالح العامة.
كان همهُ المشروع الوطني والإسلامي والمصلحة العامة .. وقد شملت رعايته جميع الاطياف والمشارب ولم يخصص بها المقربين اليه سياسياً ، فكانت زعامته أبوية ورعوية شاملة..
يهمه نجاح الجميع .. على اساس أئتلاف القلوب وتشارك العقول وتحقيق الخدمة والمشاريع الحقة.
كان شعارهُ كسرَ المعادلة الظالمة ، وبناء المعادلة العادلة المتوازنة التي تعطي فرصاً متكافئةً لأبناء الوطن بحسب حجومهم وحضورهم ومساحاتهم.
لم يكن عزيز العراق يؤمن بالطائفية وفتنها، ولكنه كان يؤمن بالطوائف ومكانتها ..
كان يبحث عن معادلة قوامها (الحقوق والواجبات) و (تساوي الفرص والإمكانات) (وشراكة المسير والمصير والقرارات)
كان يؤمن بأن المكون الاجتماعي الاكبر إذا ما اعتراهُ الضعف والتقاطع والتفرق فأن ذلك ينعكس على جميع أجزاء الوطن ومكوناته خراباً ودماراً وضعفاً ، فكان همهُ تمكين المكون الاكبر والمكونات الاجتماعية الاخرى من شركاء الوطن على أساس الحوار والإنصاف والعدالة وكسر المعادلة الظالمة .. فكان يعمل على وحدة الصف الشيعي / الوطني.
كان عزيزُ العراق يعمل بفقه الاولويات في الآداء السياسي فحرصَ على صياغة الدستور ضمن المعايير التي وضعتها المرجعية الدينية العليا ورفع شعار إنهاء التواجد العسكري الاجنبي في العراق وشعار بناء التحالفات الاستراتيجية بين العراق ودول الجوار والمنطقة والعالم على أساس المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة للشعوب.
كان يركز على استقلالية القرار العراقي ورفع مبكراً شعار اخراج العراق من طائلة الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة.
كان ينتهج "الواقعية السياسية" فدعا على الدوام الى التوازن في العلاقة الاقليمية والدولية للعراق .. ودعا الى حوار ايراني امريكي في الشأن العراقي وقد تحقق ذلك برعاية الحكومة العراقية أنذاك.
كان يرى ان الارهابَ لا يواجه بالجيوش النظامية والآلة العسكرية فحسب وانما يحتاج الى مسؤولية إجتماعية تضامنية ولذلك دعا لتشكيل اللجان الشعبية واشراك العشائر والفعاليات الشعبية ، في المهمة الامنية بأشراف مؤسسات الدولة.
إن المشهد السياسي الذي نمر به يحتاج الى رجال وقيادات بحجم عزيز العراق واخلاصه وعطائه ، وعلى قدر رؤيته وحكمته وشجاعته.
إن اسوء ما يمكن ان تمر به الساحة هو فقدان الثقة والشعور بالتهميش والاقصاء وهي مخاطر كبيرة لطالما حذر منها عزيز العراق ونحن اليوم نجدد التحذير منها ومن تداعياتها الوخيمة.
ان الانسداد السياسي الحاصل في المشهد، والتعطيل الدستوري وتلكؤ الخدمات ، وتعميق الفجوة بين الشعب ونظامه السياسي تمثل تحديات اساسية يجب العمل على معالجتها من أجل مصلحة العراق.
وما أحوجنا اليوم الى التكاتف والتعاون والتعاضد والابتعاد عن الاحقاد والكراهية وكسر الارادات.
لسنا مع منطق الإتهام .. والتشكيك بنوايا القوى السياسية المتصدية .. ولا نرتضي بشيطنة الاخر عند تشابك الروئ والمواقف.
ان الساحة السياسية بأمس الحاجة الى حوار جاد وتفاهمات حقيقية بين القادة واصحاب القرار ، لا عبر الشاشات و وسائل الإعلام وانما عبر لقاءات مباشرة وجهاً لوجه للخروج من الانسداد السياسي الذي عطل مصالح الناس وحرمهم من إستثمار الوفرة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط وجعلهم امام مستقبل مجهول وقلق.
لقد أكدنا سابقاً بأن مفهوم التوافقية السلبية يضر بالعملية السياسية ولن ينتج حكومة خدمية مقتدرة في القرار والمتابعة.
وإننا نؤكد اليوم ضرورة ان تتحمل جهة بعينها مسؤولية تشكيل الحكومة حتى لا يعمم الفشل على الجميع (لا سامح الله) وان يتمكن الناس من تقييم الاداء السياسي بوضوح ومن دون تضليل أو مدارات.
لقد كنا ولا نزال نقول بالتدرج والتقدم المدروس والانتقال السلس من التوافقية الى الاغلبية الوطنية من دون قفزات سريعة غير مدروسة.
ونشدد على ان الاغلبية المطلوبة هي تلك التي تجتمع على مشروع واضح لبناء الدولة وعبر معادلة مفادها " اغلبية وطنية واضحة لجميع المكونات وبمعنى (اغلبية شيعية واغلبية سنية واغلبية كردية) تشترك في تحمل المسؤولية التنفيذية الكاملة في إدارة البلاد ، يقابلها اقلية أمنة من كافة المكونات ايضا تمارس دور المعارضة البناءة بكل حرية وقوة واطمئنان عبر مجلس النواب ولجانه والهيئات الرقابية المستقلة وبذلك نقضي على المحاصصة والطائفية والعنصرية.
على إن تلاحظ الأغلبية الوطنية الحاكمة التوازن في حضور وشراكة جميع المكونات لتطمين الجميع.
ان تحقيق ذلك يتطلب بيئة سياسية مستقرة ومطمئنة تساعد على تحقيق هذا المسار السياسي السليم بآليات واضحة وملموسة.
إن الدستور كان واضحاً جداً حين حصر إنتخاب رئيس الجمهورية بتحقيق الثلثين في تشجيع القوى السياسية على تحقيق تفاهمات واسعة فيما بينها ومن لا يستطيع تحقيق الثلثين انتخابياً عليه ان يكون محاوراً موضوعياً جيداً للتفاهم مع شركائه في الوطن وفي البيت الواحد.
نحن مع ضرورة وجود معارضة وطنية قوية ونؤيد عدم اشتراك جميع القوى السياسية في تشكيل الحكومة.
ونحن في الحكمة اتخذنا قرار عدم المشاركة في الحكومة منذ اعلان نتائج الانتخابات رغم تحفظنا وتسجيل ملاحظاتنا على الانتخابات ونتائجها.
ولكننا نرى ضرورة تشكيل الكتلة الاكبر من ممثلي المكون الاجتماعي الاكبر لتوفير الحماية البرلمانية الكافية للحكومة لكي لا تكون في مهب الريح أمام أول عاصفة سياسية تجتاحها.
إنني ومن موقع المسؤولية الأخلاقية والوطنية أدعو القوى المتصدية الممثلة للمكون الاجتماعي الأكبر وجميع شركائنا في الوطن الى الخروج من واقع الانسداد السياسي القائم وإنما يتحقق ذلك من خلال عدة خطوات وبروح وطنية خالصة ، وعلى وفق الاتي:
- جلوس جميع الاطراف على طاولة الحوار ومناقشة الحلول والمعالجات من دون شروط أو قيود مسبقة.
- تسمية الكتلة الاكبر وفق ما نص عليه الدستور عبر القوى الممثلة للمكون إلاجتماعي الأكبر.
- حسم موضوع الرئاسات الثلاث عبر تفاهم أبناء كل مكون فيما بينهم .. والجميع يتعامل مع مرشح الاغلبية السنية والاغلبية الكردية والاغلبية الشيعية لتمرير مفهوم الاغلبية المطمئنة للجميع .. مع الاتفاق على ان رفض مرشح احد من المكونات الاخرى لا يعني تقاطعاً مع المكون بل فسح المجال أمامه لتقديم خيارات أخرى، والرؤساء الثلاث يكونوا ممثلين للجميع ويحضون بدعم واحترام الجميع.
- صياغة البرنامج الخدمي والسياسي للحكومة القادمة وتحديد اسقف زمنية واقعية لتنفيذه وتحديد معايير اختيار الفريق الوزاري المأمول.
- توزيع الادوار .. فمن يرغب بالمشاركة في الحكومة ينضم الى فريق الاغلبية ويلتزم بدعم الحكومة بالبرنامج المتفق عليه ويعلن تحمل المسؤولية الكاملة عن مشاركته وقراره.
ومن لا يرغب بالمشاركة يتخذ من مجلس النواب منطلقاً لمعارضته البناءة ويعلن ذلك رسمياً ليحظى بالغطاءات المطلوبة.
- تتعهد الاغلبية بتوفير الغطاء الآمن للمعارضة مع تمكينها في اللجان البرلمانية والهيأت الرقابية المستقلة لأداء مهامها كما تتعهد المعارضة بعدم تعطيل جلسات مجلس النواب والحضور الفاعل فيه وفسح المجال أمام الاغلبية لإكمال الاستحقاقات الدستورية.
- اتفاق الاغلبية الحاكمة والمعارضة البناءة على التشاور الدائم والتداول الدوري حول القضايا الاساسية في البلاد للخروج بقرارات وطنية وإجماعية في القضايا المصيرية والقوانين المعطلة.
- نبذ المساجلات الاعلامية السلبية ولغة التسقيط والتخوين والاتهام وأدعو من هذا المقام جميع المؤسسات الإعلامية الحكومية وغيرها إلى تبني ميثاق وطني ملزم للجميع لمواجهة لغة الكراهية والاتهام وتنقية الخطاب الموجه للجمهور بمعلومات دقيقة غير مضللة فلا يمكن بناء الدولة من دون إعلام وطني حريص ومسؤول عن وحدة البلد واحترام القيم الأصيلة.
- اعتماد الاصلاح الحكومي مادة للتنافس السياسي في الأداء والخطاب .. وليطرح كل كيان سياسي وكل تحالف برامجه ورؤيته الاقتصادية والثقافية والسياسية والتنموية والأمنية أمام وسائل الاعلام .. وليتصدى المتحدثون السياسيون الممثلون لكياناتهم في التعبير عن رؤيتهم في الحلول المطروقة ومواطن القوة أو الضعف فيها وكيفية انتشال البلد من واقعه الصعب والنهوض به مجدداً ..
ولتكن هناك فسحة للرأي العام في أن يطلع على خطط وحلول كافة الكيانات ودعم ما يراه مناسباً للبلاد.
اتمنى على جميع الفعاليات السياسية النظر في هذه الخطوات بجدية عالية عسى ان تكون مخرجاً لاَزمات البلاد وأطاراً نلتقي حوله ونوحد صفوفنا عليه في اجواء الشهر الفضيل.
لاتزال المظاهر الاجتماعية السلبية ضاغطة على مجتمعنا وفي مقدمتها الانتشار الخطير للمخدرات بين شبابنا وهو الآفة الفتاكة بالمجتمع.
إن تركيز انتشار المخدرات في مناطق شعبية لمحافظات معينة دون غيرها تضفي عليها دوافع أمنية وسياسية وتجعلها قضية تمس بالأمن القومي العراقي.
اننا ندعو بقوة لمواجهة هذه الظواهر بجدية كاملة بعيداً عن أي تهاون قانوني أو أداري وبوسائل علمية ناجعة.
كما ندعو لضرورة تشكيل (مجلس أعلى لمكافحة المخدرات في العراق) يأخذ على عاتقه التعاطي مع هذه الظواهر الخطيرة تشخيصاً ومعالجة وتوعية.
اقليميا/
1 – نتابع بأهتمام التطورات في الساحة اليمنية ونجدد دعمنا للمبادرة الأممية في الشأن اليمني وندعو الى حوار جدي بين اليمنيين واطراف النزاع للخروج باتفاقات تنهي معاناة هذا البلد العربي الشقيق.
2 – كما نعرب عن دعمنا للحوار الخليجي السوري وتبادل الزيارات وندعو لعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية في قمة الجزائر القادمة.
3 – ونتمنى ان تفضي المفاوضات في فينا الى اتفاق نهائي حول الملف النووي الايراني بما يساهم في تعزيز الاستقرار الاقليمي في منطقتنا ..
كما نجدد دعمنا واسنادنا للشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة لتبقى القضية الفلسطينية تمثل الهم العربي والاسلامي.
سلاما على شهداء العراق .. وسلاماً على المرجعية الرشيدة وسلاما على شهداء قواتنا المسلحة وحشدنا الشعبي وسلاماً على المرجع الأعلى الامام السيستاني (دام ظله) وسلاما على الشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.