• نص كلمة السيد الحكيم في الحفل التأبيني الرسمي بيوم الشهيد العراقي ١٤٤٦ هـ - ٢٠٢٥م

    2025/ 01 /04 

    نص كلمة السيد الحكيم في الحفل التأبيني الرسمي بيوم الشهيد العراقي ١٤٤٦ هـ - ٢٠٢٥م

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين الميامين.

    أصحاب الفخامة والدولة والسيادة والمعالي والسعادة، أصحاب السماحة والفضيلة والنيافة، السيدات والسادة، الإخوة والأخوات الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    نجتمع في الأول من رجب في كل عام ، لنحيي ذكرى )يوم الشهيد العراقي( ، هذه المناسبة الكبيرة التي نستذكر فيها تضحيات شهدائنا الأبرار الذين خطوا بدمائهم الطاهرة مسيرة العراق نحو الحرية والعزة والكرامة.

    إن (يوم الشهيد العراقي) ليس مجرد ذكرى، إنه محطة لتجديد العهد مع الوطن ومع المبادئ التي استشهد من أجلها قادتنا ورجالنا الأوفياء، وعلى رأسهم شهيد المحراب، آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف). الذي كان رمزًا للوحدة الوطنية، ومشروعًا نهضويًا شاملاً، لا يقتصر على طائفة أو قومية، بل يتسع ليشمل العراق كله، من زاخو إلى الفاو. إذ كان ذا بصيرة ثاقبة في رسم الأولويات وفي كيفية التعامل مع المخاطر في أحلك الظروف وأصعبها وأشدها ضراوة.

    وإذ يتجذر (يوم الشهيد العراقي) في الوجدان فإنه يتزامن هذا العام مع ذكرى شهادة قادة الانتصار الشهيدين القائدين أبي مهدي المهندس والجنرال قاسم سليماني .. اللذين كان لهما الدور الكبير والمؤثر في تحقيق النصر على قوى التطرف والإرهاب متمثلة بتنظيم داعش الإرهابي .. التنظيم الذي صنعته أجندات مارقة لا تريد للمنطقة أن تستقر .. لكن إرادة الله تعالى وهمة العراقيين والتفافهم حول مرجعيتهم الرشيدة المتمثلة بالإمام السيستاني (دام ظله الوارف) تظافرت بعزم وبصيرة لتحبط محاولات تلك الأجندة الخبيثة وقطعت رأس الفتنة و دفنتها في عقر دارها.

    السادة والسيدات الأفاضل ..

    إن الشهادة هي وسام الأوطان الذي يكرم به أبناؤه الأوفياء. لقد كان شهداؤنا، وعلى رأسهم الشهيد الحكيم ، عنوانًا للصبر والمثابرة والعطاء، وقد علّمونا كيف تكون التضحية من أجل القيم والمبادئ. 

    لقد أدرك شهيد المحراب أن بناء الوطن يتطلب إرادة حقيقية، لا تنحني أمام التحديات، ولا تتردد في مواجهة المحن.

    إننا اليوم، وفي ظل ما نعيشه من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، أحوج ما نكون إلى استلهام دروس الشهادة والتضحية. فقد مر العراق بمراحل صعبة، لكنه استطاع أن ينهض بفضل الله تعالى وهدي مرجعياته الدينية وحكمة قياداته السياسية وإرادة شعبه وصمود رجاله، وإيمانهم العميق بوحدة هذا الوطن.

     

    الحضور الكريم ...

    إن مشروع شهيد المحراب كان قائمًا على الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية. فكان يؤمن أن التنوع الذي يزخر به العراق يشكل مصدر قوة، وأن بناء الدولة العصرية العادلة لا يمكن أن يتحقق إلا باحترام هذا التنوع وتوحيد الكلمة. ويجب أن تكون هذه المبادئ هي البوصلة التي توجهنا اليوم في مواجهة التحديات الراهنة.

    إن العراق لا يمكن أن يستقر إلا بتعزيز الوحدة الوطنية، ونحن بحاجة إلى تعزيز الثقة بين أبناء الشعب من جهة ، وبين الشعب ومؤسسات الدولة من جهة أخرى. وهذا يتطلب منا جميعًا العمل بروح الفريق الواحد، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الثانوية الضيقة.

    لايخفى على أحد أن العراق يواجه تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها البطالة وضعف الخدمات. وتلبية الحاجة إلى رؤية اقتصادية شاملة تُعنى بتنويع مصادر الدخل، وتطوير البنى التحتية، واستثمار طاقات الشباب. فشباب العراق هم عماد المستقبل، ولا بد من توفير الفرص التي تُمكّنهم من المشاركة الفاعلة في بناء وطنهم.

    إن بناء دولة قوية ومقتدرة يتطلب حصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز سيادة القانون. ومكافحة الفساد المالي والإداري والإصلاح الاقتصادي. وأي تهاون في هذا الجانب سيؤدي إلى إضعاف الدولة وتفاقم الأزمات. علينا أن نعمل على تقوية مؤسساتنا، وتحقيق العدالة، وضمان التوزيع العادل للثروات بين جميع المحافظات.

    ولأن العراق يقع في قلب المنطقة، فلا يمكن أن يكون بمعزل عن التحديات الإقليمية والدولية. علينا أن ننتهج سياسة متوازنة تضع مصلحة العراق أولاً، وتجعله جسراً للتواصل بين الدول، وليس ساحة للصراعات. كما أننا، في هذا اليوم، نجدد موقفنا الثابت تجاه القضية الفلسطينية، التي كانت وستظل قضية العرب والمسلمين المركزية. إن دعمنا للشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله المستمر من أجل نيل حقوقه المشروعة، وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هو واجب أخلاقي وإنساني لا يقبل المساومة. فالعراق، الذي عرف معنى التضحية وخبرها على امتداد تاريخه ، يقف بكل حزم ضد أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو تقويض حقوق الفلسطينيين. وفي السياق ذاته، نجدد موقفنا الراسخ في دعم لبنان الشقيق، الذي يمر بتحديات كبيرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني.

    إن العراق يقف إلى جانب الشعب اللبناني، ويدعم وحدته الوطنية واستقراره، ويؤمن بضرورة التعاون العربي لمساندته في تجاوز أزماته. و استقرار لبنان جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة، لن يدخر العراق جهدًا في تعزيز أواصر الأخوة والتضامن مع هذا البلد العزيز. كما نوجه أنظارنا إلى سوريا، التي تشهد مرحلة جديدة. انطلاقاً من إيماننا بعمق العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين العراقي والسوري، ونتطلع إلى أن تكون هذه المرحلة بداية لتعزيز الاستقرار في سوريا بمشاركة جميع مكوناتها بروح الحرية والديمقراطية والمواطنة.

    ننتظر من الأداء السياسي القادم في سوريا أن يعكس إرادة الشعب، وأن يضع أسسًا لدولة تتسع لجميع أبنائها، حيث تسود العدالة وتتحقق الكرامة. إن سوريا اليوم تقف على عتبة مرحلة جديدة، مرحلة مليئة بالتحديات والفرص. مدركين أن الشعب السوري قد عانى كثيرًا من ويلات الحرب والدمار، ونتطلع لأن يكون التغيير السياسي الحالي فرصة لبناء مستقبل أفضل يضمن لجميع السوريين حقهم في الحرية والكرامة.

    إن العلاقات التاريخية التي تجمع العراق وسوريا تفرض علينا أن نكون شركاء في مسيرة استقرارها، فاستقرار سوريا هو استقرار للمنطقة بأكملها. 

    نؤمن بأن الحل في سوريا يجب أن يكون شاملاً، يعكس تطلعات جميع مكوناتها، ويؤسس لدولة تحترم التعددية وتعمل بمبدأ العدالة والديمقراطية. ولابد من التأكيد على ضرورة إشراك كافة الأطراف السورية في صياغة مستقبلهم، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي تعيق مسيرة السلام والتنمية في بلدهم.

     

    السادة والسيدات .. 

    إننا في العراق، نؤمن بأهمية تعزيز العلاقات مع دول المنطقة والعالم على أساس التعاون والاحترام المتبادل. ويجب أن يكون العراق ملتقى لتكامل المصالح والتعاون المشترك بين الدول، بعيدًا عن التنازع والصراعات. إن موقعنا الجغرافي ودورنا التاريخي يؤهلنا لأن نكون نقطة توازن واستقرار إقليمي ودولي. من خلال تعزيز الحوار البناء مع مختلف الأطراف، ويمكن للعراق أن يلعب دورًا محوريًا في تحقيق السلام والتنمية على مستوى المنطقة والعالم. علينا الاستثمار في بناء شراكات استراتيجية مع الدول الشقيقة والصديقة، تدعم مسيرة الإعمار والتنمية وتخلق فرصًا جديدة لشعبنا. وفي هذا السياق، نؤكد على ضرورة التعامل مع العراق بوصفه دولة مستقلة يحكمها أبناؤها، دولة ذات سيادة لا تقبل التدخلات أو الإملاءات. فهو بلد عريق يمتلك تاريخًا مجيدًا وموارد هائلة وأبناءً قادرين على قيادته نحو مستقبل مشرق.

    إن احترام سيادة العراق هو احترام لتضحيات أبنائه الذين واجهوا كل التحديات لبناء وطن حر ومستقل. لا يمكن للعراق أن يكون ساحة للنفوذ أو موطئ قدم لأي قوة خارجية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب إرادة شعبه. ونجدد التأكيد على حق العراق في أن يحدد مصيره بنفسه، بعيدًا عن التدخلات والإملاءات.

    إن التعامل مع العراق كدولة مستقلة، ذات سيادة وقرار مستقل، ليس خيارًا بل ضرورة تفرضها تضحيات شعبنا وحقه الطبيعي في بناء مستقبله بأيدي أبنائه.

    لذلك ندعو إلى إطلاق مبادرة لحوار إقليمي شامل، تهدف إلى وضع مسارات دائمة للتفاهم والتعاون بين دول المنطقة. هذه المبادرة تأتي انطلاقاً من إيماننا العميق بأهمية الحوار وسيلة لتحقيق السلام والاستقرار.

    إن تقريب وجهات النظر بين الدول ليس مجرد حل للنزاعات القائمة، بل هو خطوة أولى نحو بناء منظومة إقليمية متماسكة تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

    تهدف المبادرة إلى معالجة القضايا الجوهرية التي تؤرق المنطقة، من خلال تبني حلول سلمية ودبلوماسية بعيدًا عن التصعيد والتوتر. نؤمن أن الحوار الشامل يمكن أن يفتح أفقًا جديدًا للتعاون في مجالات الأمن والتنمية الاقتصادية وتبادل المعرفة. وندعو جميع الأطراف المعنية إلى الانضمام لهذه الجهود التي تضع مصلحة شعوب المنطقة فوق كل اعتبار، وتؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار المشترك.

    • كما ندعو إلى تأسيس مركز إقليمي لمكافحة الإرهاب، يكون مقره في بغداد، ويعمل على تبادل المعلومات وتعزيز القدرات الأمنية للدول المشاركة. هذا المركز سيعمل على توفير منصة لتنسيق الجهود المشتركة بين الأجهزة الأمنية في المنطقة، بما يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي.

    • من خلال هذا المركز، يمكن للدول المشاركة الاستفادة من تبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الإرهابية، والتعاون في تطوير استراتيجيات وقائية تهدف إلى إحباط المخططات الإرهابية قبل تنفيذها.

    • سيوفر المركز أيضًا تدريبات وبرامج متخصصة لبناء القدرات الوطنية، بما في ذلك مكافحة الجرائم الإلكترونية التي تشكل تهديدًا متزايدًا في العصر الرقمي.

    • فوائد هذه المبادرة تتجاوز الجانب الأمني ، فهي تسهم في خلق بيئة مستقرة تجذب الاستثمار وتدعم التنمية الاقتصادية في المنطقة، مما يؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة لشعوبها. كما تساهم المبادرة في تعزيز دور العراق كمركز ريادي للحوار والتعاون الإقليمي، بنحو يعكس عمق التزامه بالسلام والاستقرار.

    إخوتي وأخواتي، إن دعم الحكومة واجب وطني، يتطلب منا جميعًا العمل بروح التعاون والتكاتف. حيث يمر العراق بمرحلة تحتاج إلى تضافر الجهود لدعم مؤسسات الدولة في مواجهة التحديات الكبرى، سواءاً كانت اقتصادية أم أمنية أم اجتماعية.

    علينا أن نقف مع الحكومة في تنفيذ برامجها وخططها التي تهدف إلى تحسين حياة المواطنين، وتوفير الخدمات الأساسية، وتعزيز دور العراق إقليميًا ودوليًا.

    إن دعم الحكومة لا يعني غياب النقد البناء، بل يتطلب مشاركة فعّالة من جميع القوى الوطنية لمتابعة الأداء وتقديم الحلول العملية للمشكلات القائمة. فنحن نؤمن أن قوة الحكومة تأتي من التزامها بخدمة الشعب، ومن دعم المواطنين ومشاركتهم في تحقيق الاستقرار والتنمية. دعونا جميعًا نعمل من أجل عراق أفضل، عراق يحقق آمال شهدائنا وأحلام أجيالنا القادمة.

    إخوتي وأخواتي، (إن يوم الشهيد العراقي) هو فرصة لنؤكد وفاءنا للتضحيات التي قدمها شهداؤنا. وعلينا أن نواصل العمل من أجل تحقيق حلمهم بعراق موحد، قوي، مستقل ، مستقر ومزدهر. و دماء الشهداء أمانة في أعناقنا، ومسؤوليتنا أن نحافظ على إرثهم ونمضي بمشروعهم نحو المستقبل.

    ختامًا، أدعو الله أن يحفظ العراق وشعبه، وأن يوفقنا جميعًا لتحقيق ما نتطلع إليه من أمن واستقرار وازدهار.

    السلام على الشهداء الأبرار، والسلام على قادة الانتصار وشهداء القدس والشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    اخبار ذات صلة