نص كلمة السيد الحكيم في منتدى الشرق الاوسط للسلام والأمن دهوك 2025
بسم اللّٰه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين
أصحاب الدولة والسيادة والمعالي والسعادة .. السادة والسيدات الحضور..
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته..
يسعدني أن اشارككم في هذا المحفل المهم.. (منتدى الشرق الأوسط للسلام والأمن) في دورته السادسة في محافظة دهوك العزيزة على قلوب العراقيين..
وأجد من الواجب في مستهلّ حديثي أن أتوجّه بتحية تقدير واحترام إلى شعب كوردستان، وإلى أسرة البارزاني الكريمة, بما تمثله من رمزية تاريخية لنضال هذا الشعب الكريم، ولدورها في حماية التجربة الديمقراطية في العراق، وترسيخ مبدأ التعايش والشراكة الوطنية. إن العلاقة بين قوى الاعتدال في العراق، وبين القيادات الكوردية وفي مقدّمتها أسرتي البارزاني والطالباني الكريمتين ، هي جزء من ذاكرة هذا الوطن ، ومن رصيده الراسخ في مواجهة الاستبداد والإرهاب، وفي بناء نظام سياسي يقوم على التنوع لا الإقصاء، وعلى الشراكة لا الهيمنة.
نجتمع هنا لطرح الرؤى والأفكار التي تهم واقعنا العراقي وما يخص الأوضاع في منطقتنا ومحيطنا الإقليمي والدولي.. من أجل تجاوز الفوضى والخلاف والتوجه نحو الاستقرار والتنمية المستدامة.. لاسيما في لحظة مفصلية تمر بها منطقتنا وتحتاج إلى وضوح في الرؤية وشجاعة في القرار ..
إننا كعراقيين نشعر بالفخر والاعتزاز بعد النجاح الكبير الذي حصل في الانتخابات النيابية في دورتها السادسة من حيث التنظيم والأمن والمشاركة الواسعة والفاعلة والواعية من قبل شعبنا في جميع المحافظات العراقية العزيزة..
مما يدل على تمسك العراقيين بنظامهم السياسي وحرصهم على تطويره ونجاحه عبر الآليات الدستورية والديمقراطية.. لقد عبر العراقيون مرة أخرى عن إرادتهم الحرة وأكدوا تمسكهم بالمسار الديمقراطي رغم التحديات..
وهذا النجاح ليس مجرد حدث سياسي.. بل هو رسالة واضحة بأن شعبنا شريك أساسي في صناعة الاستقرار.. وإن مؤسسات الدولة قادرة على إدارة الاستحقاقات الكبرى بكفاءة ومسؤولية.. مما يجعل التجربة العراقية مثالا يُحتذى في منطقتنا.. فهي تجربة تستحق الإشادة والتعميم على مستوى المنطقة والعالم..
وهنا أود الإشارة إلى جملة من الأمور التي لها علاقة مباشرة مع هذا المحفل الكريم..
أولا:الحاجة إلى مقاربة جديدة للأمن والاستقرار في المنطقة:
فقد أثبتت تجارب المنطقة أن الأمن لا يتحقق بالمعادلات العسكرية وحدها.. وأن الاستقرار لا يُصنع إلا من خلال عناصر فاعلة.. أبرزها:
شراكات سياسية واقتصادية واجتماعية متوازنة..
-معالجة جذور التوتر بدل الانشغال بنتائجه..
-بناء الثقة بين المكوّنات داخل كل بلد.. وبين دول المنطقة فيما بينها..
-الأمن اليوم هو أمنٌ مترابط.. أمن الطاقة.. والمناخ.. والغذاء.. والمياه.. والمجتمع.. و الحدود.. والاستثمار..
كلها حلقات مترابطة وأي خلل في واحدة منها ينعكس على الأخريات..
-لابد أن ننظر إلى مفهوم الأمن والاستقرار كأحد أبرز مفاهيم ادامة المصالح وتفعيلها لصالح شعوبنا ورفاهيتهم..
-لا يمكن أن يكون هناك استقرار في بلد ما وشعبه يعاني من طبقية كبيرة وغياب للعدالة الاجتماعية..
-ولا يمكن أن يكون هناك استقرار في المنطقة مع استباحة السيادة والحقوق والمصالح في دولها.
-لا يمكن أن نشهد الاستقرار من دون وعي بالحقوق والواجبات تجاه بعضنا.. ولا يمكن أن نشهد تنمية اقتصادية شاملة من دون تنمية بشرية واجتماعية شاملة أيضا..
-لا استقرار سياسياً من دون السلم الأهلي والاعتراف بخصوصيات الشعوب واهتماماتهم وانتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية والثقافية وحرية التعبير وحقهم في العيش الكريم..
-فهذه عناصر مهمة وفاعلة في تحقيق مفهوم الأمن والاستقرار في المنطقة..
ثانيا/ العراق نموذج للفرص رغم التحديات:
فعلى الرغم مما مرّ به بلدنا من صراعات.. فإنه أصبح اليوم أكثر قدرة على استعادة دوره الإقليمي والدولي من خلال الجوانب الآتية:
-تعزيز الشراكات الاقتصادية داخل المنطقة وخارجها..
-تحقيق نمو اقتصادي متدرج ، ولكنه ثابت ومتصاعد.
-تعزيز مسار سياسي يتطور نحو مزيد من التوازن والمشاركة..
-اليوم نرى في العراق جيلاً جديدًا من الشباب يمتلك الطاقة والطموح والوعي.. ويحتاج إلى دعم حقيقي ليُحوّل قدراته إلى مشاريع تنموية حقيقية.. بدل أن تهدر في ساحات الإحباط أو الهجرة..
والفرصة قائمة حاليا بعد الانتصار والمكسب الكبير الذي حققه أبناء شعبنا في مشاركتهم الانتخابية الواسعة .. وهو ما يجعل المسؤولية مضاعفة علينا جميعا في ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة قوية مقتدرة شاملة لجميع أطياف شعبنا ومكوناتهم الكريمة..
-النسب الانتخابية العالية التي تحققت في أغلب محافظاتنا العزيزة تمثل إرادة شعبية صادقة وملحة لضرورة الإسراع في اكمال بناء البلد وتطوره وحمايته من المخاطر والتحديات الخارجية..
وهنا أدعو جميع إخوتي من قادة الأحزاب والقوى السياسية الكريمة أن يجعلوا مصلحة العراق وفرصه الكبيرة نصب أعينهم وأن نتعاون جميعا في صناعة حكومة قوية في قرارها.. فاعلة لتمثيل مكوناتها... واعية للفرص والتحديات التي تحيط بنا وبالمنطقة.. حكومة قوية ومتوازنة قادرة على التقاط الفرص الإقليمية والدولية قبل أن تتحول إلى خسائر..
أمامنا فرص كبيرة.. إن لم نسرع في توظيفها واستثمارها فسنعرض بلدنا إلى خسائر كبيرة في الفرص و مخاطر جسيمة في التحديات..
ثالثا/ الحوار بديلاً عن الصراع:
لقد حان الوقت لأن تنتقل دول المنطقة من إدارة الأزمات إلى صناعة الحلول.. فالحوار ليس ترفاً سياسياً..
بل هو الخيار الوحيد الذي يضمن:خفض التصعيد ..وتنشيط التنمية الاقتصادية.. وترسيخ الاستقرار المجتمعي..
وكما أثبتت التجارب فإن السلام هو المشترك الأهم والهدف الأسمى حين تترسخ الإرادة ويتوفر الشركاء ويُصنع الأمل..
وقبل ذلك علينا أن نشخص فواعل الصراع ونحدد أسبابها.. كي نتفادى معوقات الحوار وعرقلة الحلول المقترحة.. إذ لا يمكن أن يكون الحوار في ظل أزيز الرصاص والاعتداء على سيادة الدول كما يحصل في المنطقة..
يجب إيقاف عناصر التهديد أولا .. وعدم السماح بعرقلة جهود السلام والاستقرار في المنطقة.. وأن لا يكون ذلك على حساب الشعوب المضطهدة وأراضيها وحقوقها المغتصبة.
إن العراق مؤمن بأن دوره الطبيعي في أن يكون:
جسرًا بين الشرق والغرب.. وملتقىً للحوار بين القوى الإقليمية والدولية.. وليس ساحة لتصفية الحسابات.. ولكي يتحقق ذلك لابد من ثلاث ركائز متلازمة:
الأولى/ هوية وطنية جامعة تحترم التنوع وتمنع الاستقطاب ، فقوة العراق تكمن في تنوّعه: عربًا وكوردًا وتركمانًا، مسلمين ومسيحيين وصابئة وإيزيديين، وسائر المكوّنات الكريمة الأخرى.
وإن المجتمع الدولي بحاجة ليسمع بوضوح أن العراق لا يعيش أزمة هويات بقدر ما يواجه تحدياً في إدارة هذا التنوّع ضمن دولة عصرية عادلة.
والركيزة الثانية/ هي إن الاصلاح الحقيقي يبدأ من بناء مؤسسات قادرة على تقديم الخدمات, وصون سيادة القانون, وإدارة الموارد بعدالة وشفافية، بعيدًا عن منطق الغلبة الحزبية.
فحين تصبح الدولة مرجعًا للمواطن، لا ساحة صراع بين القوى، فعندها يمكن لشعبها أن يتحدث بثقة عن استقرار مستدام.
وأما الركيزة الثالثة / فلا استقرار بلا تنمية، ولا تنمية بلا اقتصاد متنوّعاً ، ولا اقتصاد متنوع بلا شراكات متوازنة مع المنطقة والعالم. إننا نرى أن الاستثمار في الإنسان، وفي التعليم والبنى التحتية والقطاع الخاص، هو الطريق الأمثل لتحويل الثروة من نعمة مهدّدة إلى فرصةٍ مستدامة. والمجتمع الدولي شريك طبيعي في هذه المسيرة، عندما تكون البرامج واضحة، والإرادة السياسية جادّة، والبيئة التشريعية مستقرة.
السادة والسيدات الكرام..
في قلب هذه الرؤية تقف العلاقة بين المركز والإقليم بوصفها واحدةً من أهم الاختبارات العملية لعدالة الدولة ومرونتها. إننا نؤمن بأن العلاقة بين بغداد وأربيل يجب أن تقوم على الشراكة الدستورية والتكامل لا على التزاحم و التنافس:
فالإقليم جزءٌ أصيل من البنية الدستورية الاتحادية، وأي توتر في هذه العلاقة ينعكس سلبًا على الجميع. ولا مناص من الحوار الصريح، والاتفاقات الواضحة، والالتزام المتبادل بالدستور، لتحويل هذه العلاقة من إدارة أزمات متكررة إلى إدارة تعاون مستدام, اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا واجتماعياً.
نحن ندعم كل مبادرة تُعزز الأمن الإقليمي وترسّخ مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في شؤون الأخرين بل تعزيز الجسور بين الشعوب..
إن مستقبل منطقتنا لن يُكتب بالحروب والنزاعات.. بل بالتنمية والتعليم والقيم والتكنولوجيا وتمكين الشباب والتكامل الإقليمي.
*ختاماً .. أود التوقف عند مناخ التهديد الصامت في العراق والمنطقة..
فمحيطنا الجغرافي من أكثر المناطق عرضةً لآثار التغير المناخي.. ومع ذلك ما زال التعاون الإقليمي في هذا الملف دون المستوى المطلوب.. إذ تعيش بلداننا اليوم أقسى موجات الجفاف وارتفاع الحرارة وشحة المياه..
ولن تكون هناك قيمة لأي استثمار أو استقرار أو تنمية.. إذا فقدت الشعوب مصادر حياتها الأساسية وهي المياه..
لذلك نحتاج إلى:
خريطة اقليمية مشتركة لإدارة المياه والتصحر والتغير المناخي..
ومشاريع مشتركة للطاقة النظيفة والمتجددة..
وتحالف إقليمي على مستوى الحكومات والجامعات والقطاع الخاص لمعالجة آثار التغير المناخي قبل أن يتحول إلى موجات نزوح وصراعات داخلية..
نحن بأمس الحاجة إلى برامج فاعلة لحماية المدن والقرى من موجات الحر والجفاف..
فلم يعد المناخ قضية بيئية.. بل قضية أمن قومي.. ويجب أن نولي ذلك أهمية قصوى في برامجنا الحكومية وعلاقاتنا الدولية..
أشكر القائمين على المنتدى.. وأثمّن دور الجامعة الأمريكية في دهوك والجهات الراعية لهذا اللقاء سيما سيادة الرئيس مسعود برزاني وسيادة رئيس حكومة الإقليم السيد مسرور برزاني .. وأؤكد أن الحوار هو خيارنا الاستراتيجي لبناء منطقة آمنة مستقرة ومُزدهرة.. وأن الأمن والاستقرار ليس مجرد أمنية.. بل قرار تتخذه القيادات وشعوبها حين تدرك أن السلام والاعتدال هو الطريق الوحيد لمستقبل أبنائنا وأجيالنا..
حمى اللّٰه العراق وشعوب المنطقة والعالم من كل سوء ومكروه ..
والسلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته..